فرج دهام ومحمد أبو النجا فنانان يعيشان في الدوحة، وكان لي شرفُ العمل معهما في عددٍ من المشاريع الفنية. دهام فنان قطري، وهو علامة من علامات الساحة الفنية القطرية، فنان مفعَم بالحيوية ولديه رأي فريد بمدينته الدوحة. أما أبو النجا فهو فنان مصري يعمل في الدوحة أمينًا فنيًّا، وهو رجل يتمتع بحسٍّ فني عالٍ وحنين دائم لمدينته القاهرة. مشروعٍ يتناول أفكارًا، مثل : » المدينة الفاضلة «، » المدينة «، » قصدني الاثنان في أواسط عام 2102 وطرحَا عليَّ فكرة العمل على داخل بؤرة الرؤية انطلاق لهذا المعرض الذي يُقدم في قاعات عرض كتارا، تحت عنوان: «، » خارج بؤرة الرؤية «، » معًا «، التي كانت بمثابة نقطة المدينة. وعندما كُلفت بإدارة المعرض وتطوير أفكاره معهما، أسرَّتني الفرضيات والمقدمات التي وضعها الاثنان منذ اللحظة الأولى، ولم يساورني أدنى شك في أن المعرض سيكون تجربة رائعة لنا جميعًا. منذ البداية اتفقنا أن يقوم الفنانان بتطوير قطع فنية يركزان فيها كلٌّ على مدينته، وعلى أنماط الحياة المختلفة فيها، وصراع الناس المعنيين بإنشائها وتطويرها وبنائها. على أن يتم النظر إلى المدينتين بعيون العمال القاطنين فيهما، وذلك لجَعل المدن تعبِّر عن نفسها من خلال صوت أبنائها وحياتهم. لكنَّ نتائج شهرٍ من النقاش والإبداع الفني فاقت توقعاتي، فدهام تَعامل مع المدينة على أنها بطاقة بريدية، بينما قدَّم لنا أبو النجا عمدًا. القاهرة تصورًا سُحبت فيه مدينة القاهرة إلى خارج ينظر الفنانان إلى المدينة لا من زاوية كثافتها السكانية فحسب، بل من » بؤرة الرؤية « زاوية العوامل الاجتماعية والتاريخية التي تُجسدها. يتم تنظيم المدن عادةً من خلال فرض نظامٍ يحكم العلاقات بين مكوِّناتها والجماعات المتعددة التي تسكنها. والمطلوب هو أن تُؤمن المدينة لسكانها الراحة والطمأنينة والحياة الكريمة، مع تطلُّع الناس فيها إلى آفاق حياة أفضل. لكن تحقيق هذا الأمر شبه متعذِّر، إذ تعيقه مفاهيمُ ونظريات البشر المتناقضة التي تحاول جرَّ المدينة في اتجاهات أخرى، مما يعني في الواقع أنه لا توجد صورة واحدة تَصلح لتمثيل المدينة في ظل تضارب الإرادات والهيمنة والإقصاء. تألف المدينة من الوجود البشري الحسيِّ وكذلك من وجهات النظر الثقافية التي يجب تبنِّيها لشرح بعض الظواهر غير المتوقعة، مثل سيطرة المبادئ القديمة، وانتهاج أسلوبٍ في الحياة يعمل على تنظيم العلاقات بين البشر، وفقًا لتغيُّر الأفكار والأهواء والسلوكيات – ولا يمكن فصل هذا عن التنوع الثقافي ضمن المدينة الواحدة. هناك اختلافات لا حصر لها بين الأفراد، فالجميع يتنافسون لتحويل أحلامهم في مسرحيتهولا شك » العاصفة «: » نحن مصنوعون من طينة الأحلام «. إلى حقيقة، أو كما يقول » وليام شكسبير « على لسان » بروسبارو « في أننا نحن مَن يهندس هذه الأحلام ويبنيها، ونحن أيضًا المتفرجون الذين يراقبون هذه الأحلام وهي تُبنى. وفيما نحن نحاول أن نحوِّل أحلامنا ورغباتنا إلى حقائق، تأخذ آمالنا بالتشوه، وكذلك صورة الإنسان داخلنا. يراقب فرج دهام مدينته، وبأسلوبه الفني المميز ينقل إلينا مجموعةً من الأحلام والتطلعات والهواجس وبعضَ الذكريات البسيطة التي يرسلها من الدوحة بنَّاؤوها الذين يسهرون على تطوير مبانيها يومًا بعد يوم، مشيِّدين أبنيةً سرعان ما نسكنها ونملؤها بالأحلام والتطلعات والهواجس الخاصة بنا، كلُّ هذا وهم يرسلون ذكرياتهم إلى مواطنهم الأصلية. يستخدم دهام الشكل الظاهر للبطاقة البريدية ليعبِّر عن المآزق البسيطة، على عمقها، التي يضطر كل عامل، بل كل مغترِب في الدوحة أن يتعامل معها يوميًّا. كيف يمكننا أن نحمل مدينتين في قلوبنا وعقولنا؟ وبما أنه لا يوجد جواب نهائي لهذا السؤال، فإن أعمال المعرض تعكس ما يشعر به دهام حيال هذا المأزق وفكره حوله. هناك شعور أكيد وعميق بالتعاطف مع العمال وواقعهم، ومحاوَلة شجاعة لاستيعاب البشر والتواصل معهم. يستحضر محمد أبو النجا ثورة مدينته في 52 يناير 1102 ، التي امتلأت فيها ميادين القاهرة بكل أنواع المبادرات في تحدٍّ للخوف والتسلط. وبرأيه فقد خضعت مدينته لعملية شدِّ وجهٍ كاملة، غيَّرت ملامحها بشكل كبير ولوَّنتها بالحركة الدائبة التي دحضت كل التوقعات والتصنيفات. ظلت المدينة خارج بؤرة الرؤية، جسدًا خاضعًا للتوتر، والهمومُ والأحلام تثقل كاهله. يصوِّر أبو النجا مدينته على شكل رجلين يقفان جنبًا إلى جنب تجمعهما حزَم القش التي يحملانها على ظهريهما. حين تتكتل الحزَم لتصبح عبئًا مشتركًا يتحوَّل الجسدان إلى شجرة عتيدة مثقَلة بالأغصان العطشى. وجهات النظر الثنائية التي يقدمها دهام وأبو النجا تربط المدينة بالدوافع الاجتماعية المختلفة. هنا توجد مدينتان تحملان إرثًا عربيًّا واحدًا، وتشتركان في المعتقدات واللغة، لكنهما واقعتان تحت تأثير تغيرات مباغتة، التي هي من الأسس الجوهرية للمدينة كمفهوم. ينظر الفنانان إلى الناس من وجهة نظر المدينة، وإلى المدينة من وجهة نظر السكان، وكلاهما يسجلان الحركة الدائمة والتغير المستمر والتطور بكلمات إن كنتَ تستطيع الرؤية، » خوسيه ساراماجو « في روايته » العمى « والاختلاف والتطابق. وكلا الفنانينِ يقولان لنا المأخوذة من كتاب النظر، لاحظ. «.» العظات «: » انظر. وإن كنتَ تستطيع
البرنامج
السبت, 11 مايو 2013 السبت, 11 مايو 2013